الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
البرانس
ولنبدأ أولاً بالخبر عن هوارة من شعوبهم وذكر بطونهم وتصاريف أحوالهم وافتراق شعوبهم في عمالات إفريقية والمغرب وهوارة هؤلاء من بطون البرانس باتفاق من نسابة العرب والبربر ولد هوار بن أوريغ بن برنس إلا ما يزعم بعضهم أنهم من عرب اليمن. تارة يقولون من عاملة إحدى بطون قضاعة وتارة يقولون من ولد المسور بن السكاسك بن واثل بن حمير. وإذا تحروا الصواب المسور بن السكاسك بن أشرس بن كندة وينسبونه هكذا: هوار بن أوريغ بن خنون بن المثنى بن المسور. وعند هؤلاء أن هوارة وصنهاجة ولمطة وكزولة وهكسورة يعرف جميعهم بني ينهل وأن المسور جدهم جميعاً. وأنه وقع إلى البتر ونزل على بني زحيك بن مادغيس الأبتر. وكانوا أربعة إخوة: لوا وضرا وأداس ونفوس. وأنهم زوجوه أختهم تيسكي العرجاء بنت زحيك فولدت منه المثنى أبا هوارة وتزوجها بعد المسور عاصيل بن زعزاع أبو صنهاجة ولمطة وكزولة وهكسورة كما قالوا: وولد المثنى بن المسور خبوز وولد خبوز بن المثنى ريغ النيى يقال فيه أوريغ بن برنس ومنه تفرقت قبائل هوارة. قالوا: إنما سميت هوارة لأن المسور لما جال البلاد ووقع في المغرب قال: لقد تهورنا. هكذا عند بعض نسابة البربر. وعندي والله أعلم أن هذا الخبر مصنوع وإن أثر الصنعة باد عليه. ويعضد ذلك أن المحققين ونسابتهم مثل سابق وأصحابه قالوا: إن بطون أداس بن زحيك دخلت كلها في هوارة من أجل أن هوار خلف زحيك على أم أداس فربي أداس في حجره وزحيك على ما في الخبر الأول هو جد هوار لأن المثنى جده الأعلى هو ابن تيصكي وهي بنت زحيك فهو الخامس من زحيك فكيف يخلفه على امرأته. هذا بعيد والخبر الثاني أصح عند نسابتهم من الأول. وأما بطون هوارة فكثير وأكثرهم بنو نبه وأوريغ اشتهروا نسبة لشهرته وكبر سنه من بينهم فانتسبوا جميعاً إليه. وكان لأوريغ أربعة من الولد: هوار وهو أكبرهم ومغر وقلدن وملد ولكل واحد منهم بطون كثيرة وكلهم ينسبون إلى هوار. فمن بطون مغرماوس وزمور وكياد وسراي ذكر هذه البطون الأربعة ابن حزم وزاد سابق المطامطي وأصحابه ورجين رمنداسة وكركورة. ومن بطون قلدن: قمصانة وورصطيف وبيانة. وبل ذكر هذه الأربعة ابن حزم وسابق. ومن بطون ملد مليلة ووسطط وورفل: وأسيل ومسراتة ذكرهما ابن حزم وقال: ومن بطون هوارة بنو كهلان. ويقال إن مليلة من بطونهم. وعند نسابة البربر من بطونهم غريان وورغة وزكاوة ومسلاتة ومجريس. ويقال إن ونيفن منهم. ومجريس لهذا العهد ينتسبون إلى ونيفن. وعند سابق وأصحابه أن بني كهلان وريجن إحدى بطون مغر وأن من بطون بني كهلان بني كسى وورتاكط ولشوه وهيوارة. وأما بطون أداس بن زحيك بن مادغيس الأمراء الذين دخلوا في هوارة فكثير. فمنهم هراغة وترهوتة وشتاتة وأنداوة وهنزونة وأوطيطة وصنبرة. هؤلاء باتفاق من ابن حزم وسابق وأصحابه. وكانت مواطن الجمهور من هوارة هؤلاء ومن دخل في نسبهم من إخوانهم البرانس والصمغر لأول الفتح بنواحي طرابلس وما يليها من برقة كما ذكره المسعودي والبكري. وكانوا ظواعن وآهلين. ومنهم من قطع الرمل إلى بلاد القفر وجاوزوا لمطة من قبائل الملثمين فيما يلي بلاد كوكو من السودان تجاه إفريقية ويعرفون بنسبهم هكارة قلبت العجمة واوه كافاً أعجمية تخرج بين الكاف العربية والقاف. وكان لهم في الردة وحروبها آثار ومقامات. ثم كان لهم في الخارجية والقيام بها ذكر وخصوصاً بالأباضية منها. وخرج على حنظلة منهم عبد الواحد بن يزيد مع عكاشة الفزاري فكانت بينهما وبين حنظلة حروب شديدة. ثم هزمها وقتلهما وذلك سنة أربع وعشرين ومائة أيام هشام بن عبد الملك. وخرج على يزيد بن حاتم سنة ست وخمسين ومائة وزحف إليه قائد طرابلس عبد الله بن السمط الكندي على شاطىء البحر بسواريه من سواحلهم فانهزم وقتل عامة هوارة. وكان منهم مع عبد الرحمن بن حبيب مجاهد بن مسلم من قواده. ثم أجاز منهم إلى الأندلس مع طارق رجالات مذكورون واستقروا هنالك وكان من حلفهم بنو عامر بن وهب أمير رندة أيام لمتونة وبنو ذي النون الذين ملكوها من أيديهم واستضافوا معها طليطلة. وبنو رزين أصحاب السهلة. ثم ثارت هوارة من بعد ذلك على إبراهيم بن الأغلب سنة ست وتسعين ومائة وحاصروا طرابلس وافتتحوها فخربوها. وتولى كبر ذلك منهم عياض بن وهب وسرح إبراهيم إليهم ابنه أبا العباس فهزمهم وقتلهم وبنى طرابلس. وجأجأ هوارة بعبد الوهاب بن رستم من مكان أمارتهم بتاهرت فجاءهم واجتمعوا إليه ومعهم قبائل نفوسة. وحاصروا أبا العباس بن الأغلب بطرابلس إلى أن هلك أبوه إبراهيم بالقيروان وقد عهد إليه فصالحهم على أن يكون الصحراء لهم. وانصرف عبد الوهاب إلى نفوسة. ثم أصحبوا بعد ذلك وغزوا مع الجيوش صقلية وشهد فتحها منهم زواوة بن نعم الحلفاء. ثم كان لهم مع أبي يزيد النكاري وفي حروبه مقامات مذكورة اجتمعوا إليه من مواطنهم بجبل أوراس ومرماجنة لما غلب عليه وأخذ أهلها بدعوته فانحاشوا إلى ولايته وفعلوا الأفاعيل. وكان من أظهرهم في تلك الفتنة بنو كهلان. ولما هلك أبو يزيد كما نذكره سطا إسمعيل المنصور بهم وأثخن فيهم وانقطع ذكر بني كهلان. ثم جرت الدول عليهم أذيالها وأناخت بكلاكلها وأصبحوا في عداد القبائل الغارمة من كل ناحية: فمنهم لهذا العهد بمصر أوزاع متفرقون أوطنوها أكرة وعباره وشاوية وآخرون موطنون ما بين برقة والإسكندرية يعرفون بالمثالينة ويظعنون مع الحرة من بطون هيب من سليم بأرض التلول من إفريقية ما بين تبسة إلى مرماجنة إلى باجة. ظواعن صاروا في عداد النباجعة عرب بني سليم في اللغة والزي وسكنى الخيام وركوب الخيل وكتب الإبل وممارسة الحروب وإيلاف الرحلتين في الشتاء والصيف في تلولهم. قد نسوا رطانة البربر واستبدلوا منها بفصاحة العرب فلا يكاد يفرق بينهم. فأولهم مما يلي تبسة قبيلة ونيقش ورئاستهم لهذا العهد في ولد يفرن بن حناش لأولاد سليم بن عبد الواحد بن عسكر بن محمد بن يفرن ثم لأولاد زيتون بن محمد بن يفرن ولأولاد دحمان بن فلان بعده. وكانت الرئاسة قبلهم لسارية من بطون ونيفن ومواطنهم ببسائط مرماجنة وتبسة وما إليهما. ويليهم قبيلة أخرى في الجانب الشرقي منهم يعرفون بقيصرون ورئاستهم في بيت بني مؤمن ما بين ولد زعازع وولد حركات ومواطنهم بفحص أبه وما إليها من نواحي الأربس. وتليهم إلى جانب الشرق قبيلة أخرى منهم يعرفون بنصورة ورئاستهم في بيت الرمامنة لولد سليمان بن جامع منهم. ويرادفهم في رئاسة نصرة قبيلة وربهامة ومواطنهم ما بين تبسة إلى حامة إلى جبل الزنجار إلى إطار على ساحل تونس وبسائطها. ويجاورهم متساحلين إلى ضواحي باجة قبيلة أخرى من هوارة يعرفون بني سليم ومعهم بطن من عرب مضر من هذيل بن مدركة بن إلياس. جاؤوا من مواطنهم بالحجاز مع العرب الهلاليين عند دخولهم إلى المغرب واستوطنوا بهذه الناحية من إفريقية واختلطوا بهوارة وحملوا في عدادهم. ومعهم أيضاً بطن آخر من بطون رياح من هلال ينتمون إلى عتبة بن مالك بن رياح صاروا في عدادهم وجروا على مجراهم من الظعن والمغرم. ومعهم أيضاً بطن من مرداس بني سليم يعرفون ببني حبيب. ويقولون: هو حبيب بن مالك. وهم غارمة مثل سائر هوارة. وضواحي إفريقية لهذا العهد معمورة بهؤلاء الظواعن. ومعظمهم من هوارة. وهم أهل بقر وشاء وركوب للخيل وللسلطان بإفريقية عليهم وظائف من الجباية وضعها عليهم دهاقين العمال بديوان الخراج قوانين مقررة وتضرب عليهم مع ذلك البعث في غزوات السلطان بعسكر مفروض يحضر بمعسكر السلطان متى استنفروا لذلك. ولرؤسائهم آراء قاطعات ومكان في الدول بين رجالات البدو ويربطون هوارة بمواطنهم الأولى من نواحي طرابلس ظواعن وآهلين توزعتهم العرب من دباب فيما توزعوه من الرعايا وغلبوهم على أمرهم منذ ضحا عملهم من ظل الدولة فتملكوهم تملك العبيد للجباية منهم والاستكثار منهم في الانتجاع والحرب مثل: ترهونة وورقلة الظواعن. ومجريس الموطنين بزرنزور من ونيفن وهي قرية من قرى طرابلس. ومن هوارة هؤلاء بآخر عمل طرابلس مما يلى بلد سرت وبرقة قبيلة يعرفون بمسراتة لهم كثرة واعتزاز ووضائع العرب عليهم قليلة ويعطونها من عزة. وكثيراً ما ينقلون في سبيل التجارة ببلاد مصر والإسكندرية. وفي بلاد الجريد من إفريقية وبأرض السودان إلى هذا العهد. واعلم أن في قبلة قابس وطرابلس جبالاً متصلاً بعضها ببعض من المغرب إلى المشرق فأولها من جانب الغرب جبل دمر يسكنه أمم من لواتة ويتصلون في بسيطه إلى فاس وصفاقس من جانب الغرب وأمم أخرى من نفوسة من جانب الشرق. وفي طوله سبع مراحل ويتصل به شرقاً جبل نفوسة تسكنه أمة كبيرة من نفوسة ومغراوة وسمراتة وهو قبلة طرابلس على ثلاث مراحل عنها. وفي طوله سبع مراحل. ويتصل به من جانب الشرق جبل مسلاتة ويعتمره قبائل هوارة إلى بلد مسراتة ويفضي إلى بلد سرت وبرقة وهو آخر جبال طرابلس. وكانت هذه الجبال من مواطن هوارة ونفوسة ولواتة. وكانت هنالك مدينة صغيرة بلد نفوسة قبل الفتح. وكانت برقة من مواطن هوارة هؤلاء. ومنهم مكان بني خطاب ملوك زويلة إحدى أمصار برقة كانت قاعدة ملكهم حتى عرفت بهم فكان يقال زويلة بن خطاب. ولما خربت انتقلوا منها إلى فزان من بلاد الصحراء وأوطنوها وكان لهم بها ملك ودولة حتى إذا جاء قراقوش الغزي الناصري مملوك تقي الدين ابن أخي صلاح الدين كما نذكر في مكانه عند ذكر الميورقي بن مسوفة وأخباره وافتتح زلة وأوجلة وافتتح فزان بعدها وتقبض على عاملها محمد بن خطاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنفل بن خطاب آخر ملوكهم وامتحنه وطالبه بالأموال وبسط عليه العذاب إلى أن هلك وانقرض أمر بني خطاب وهؤلاء الهواريين. ومن قبائل هوارة بالمغرب أمم كثيرة في مواطن من أعمال تعرف بهم وظواعن عن شاوية تنتجع لمسرحها في نواحيها وقد صاورا عبيدا للمغارم في كل ناحية. وذهب ما كان لهم من الاعتزاز والمنعة أيام الفتوحات بسبب الكثرة وصاروا إلى الافتراق في الأودية بسبب القلة والله مالك الأمور. ومن أشهرهم بالمغرب الأوسط أهل الجبل المطل على البطحاء وهو مشهور باسم هوارة وفيه من مسراتة وغيرهم من بطونهم ويعرف رؤساؤهم من بني إسحق. وكان الجبل من قبلهم فيما زعموا لبني يلومين. فلما انقرضوا صار إليه هوارة وأوطنوه وكانت رئاستهم في بني عبد العزيز منهم. ثم ظهر من بني عمهم رجل اسمه إسحق واستعمله ملوك القلعة وصارت وورث رئاسته فيهم أخوه حيون وصارت في عقبه. واتصلوا بالسلطان أيام ملك بني عبد الواد على المغرب الأوسط وانتظموا في شرائعهم. واستعمل أبو تاشفين من ملوكهم يعقوب بن يوسف بن حيون قائداً على بني توجين عندما غلبهم على أمرهم المغارم عليهم فقام بها أحسن قيام دوخ بلادهم وأذل من عزهم. وبعد أن غلب بنو مرين بني عبد الواد على المغرب الأوسط استعمل السلطان أبو الحسن عبد الرحمن بن يعقوب على قبيلة هؤلاء. ثم استعمل بعده عمه عبد الرحمن ثم ابنه محمد بن عبد الرحمن بن يوسف. ثم تلاشى حال هذا القبيل وخف ساكن الجبل بما اضطهدتهم دولة بني عبد الواد وأجحفت بهم في الظلامات. وانقرض بيت بني إسحق والأمر على ذلك لهذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها. أزداجة ومسطاسة وعجيسة الخبر عن أزداجة ومسطاسة وعجيسة من بطون البرانس ووصف أحوالهم أما أزداجة ويعرفون أيضاً وزداجة فمن بطون البرانس وكثير من نسابة البربر يعدونهم في بطون زناتة. وقد يقال إن أزداجة من زناتة ووزداجة من هوارة وأنهما بطنان مفترقان وكان لهم وفور وكثرة. وكانت مواطنهم بالمغرب الأوسط بناحية وهران وكان لهم اعتزاز وآثار في الفتن والحروب. ومسطاسة مندرجون معهم فيقال أنهم من عداد بطونهم ويقال أنهم إخوة مسطاس أخي وزداج والله أعلم. وكان من رجالتهم المذكورين شجرة بن عبد الكريم المسطاسي وأبو دليم بن خطاب. وأجاز أبو دليم إلى الأندلس من ساحل تلمسان وكان لبنيه بها ذكر وفي فقهاء قرطبة مكان. وكان من بطون أزداجة بنو مسقن وكانوا يجاورون وهران ونزل موسى وهران من رجال الدولة الأموية محمد بن أبي عون ومحمد بن عبدون فداخلوا بني مسكن وملكوا وهران سبع سنين مقيمين فيها للدعوة الأموية. فلما ظهرت دعوة الشيعة وملك عبيد الله المهدي تاهرت وولى عليها دواس بن صولات اللهيصي من كتامة وأخفت البرابرة بدعوتهم أوعز دواس بحصار وهران فزحفوا إليها سنة سبع وتسعين وداخلوا بني مسكن في ذلك فأجابوهم وفر محمد بن أبي عون فلحق بدواس بن صولات واستبيحت وهران وأضرمت ناراً. ثم جدد بناءها دواس وأعاد محمد بن أبي عون إلى ولايتها فعادت أحسن ما كانت وأمراء تلمسان لذلك العهد من الأدارسة بنو أحمد بن محمد بن سليمان وسليمان أخو إدريس الأكبر كما ذكرناه. وكانوا يقيمون دعوة الأموية لذلك العهد. ثم ولي على تاهرت أيام أبي القاسم بن عبد الله أبا مالك يغمراسن بن أبي سمحة وانتقض عليه البربر فحاصروه عند زحف ابن أبي العافية إلى المغرب الأوسط بدعوة المروانية وكان ممن أخذ بها محمد بن أبي عون صاحب وهران وسرح أبو القاسم ميسوراً مولاه إلى المغرب وأتاه محمد بن عون بطاعته فقبلها وأقره على عمله ثم نكث محمد بن عون عند منصرف ميسور من المغرب وراجع طاعة المروانية. ثم كان شأن أبي يزيد وانتقاض سائر البرابرة على العبيديين واستفحل أمر زناتة وأخذوا بدعوة المروانيين. وكان الناصر عقد ليعلى بن أبي محمد اليفرني على المغرب فخاطبه بمراوغة محمد بن أبي عون وقبائل أزداجة في الطاعة للعداوة بين القبيلتين بالمجاورة وزحف إلى أزداجة فحصرهم بجبل كيدرة. ثم تغلب عليهم واستأصلهم وفرق جماعتهم وذلك لسنة ثلاث وأربعين وثلثمائة ثم زحف إلى وهران ونازلها ثم افتتحها عنوة وأضرمها ناراً. واستلحم أزداجة ولحق رئاستهم بالأندلس فكانوا بها وكان منهم خزرون بن محمد من كبار أصحاب المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر وأجاز إلى المغرب وبقي أزداجة بعد ذلك على حال من الهضيمة والمذلة وانتظموا في عداد المغارم من القبائل. وأما العجيسة: وهم بطون البرانس من ولد عجيسة من برنس ومدلول هذا الاسم البطن فإن البربر يسمون البطن بلغتهم عدس بالدال المشددة فلما عربتها العرب قلبت دالها جيماً مخففة وكان لهم بين البربر كثرة وظهور وكانوا مجاورين في بطونهم لصنهاجة. وبقاياهم لهذا العهد فى ضواحي تونس والجبال المطلة على المسيلة وكانت منهم من بطون يسكنون جبل القلعة. وكان لهم في فتنة أبي يزيد أثر. ولما هزمه المنصور لجأ إليهم واعتصم بقلعة كتامة من حصونهم حتى اقتحم عليه. ثم بادرحماد بن بلكين من بعد ذلك مكاناً لبناء مدينة فاختطها بينهم ونزلها ووسع خطتها واستبحر عمرانها. وكانت حاضرة لملك آل حماد فأخلفت هذه المدينة من جدة عجيسة لما تمرست بهم وخضدت من شوكتهم وراموا كيد القلعة مراراً وأجلبوا على ملوكها بالأعياص منهم فاستلحمهم السيف. ثم هلكوا وهلكت القلعة من بعدهم وورثت مواطنهم بذلك الجبل عياض من أفاريق العرب الهلاليين وسمي الجبل بهم. وفي القبائل بالمغرب كثير من عجيسة هؤلاء مفترقون فيهم والله أعلم. اوربة الخبر عن أوربة من بطون البرانس وما كان لهم من الردة والثورة وما صار لهم من الدعاء لإدريس الأكبر وكانت البطون التي فيها الكثرة والغلب من هؤلاء البربر البتر كلهم لعهد الفتح أوربة وهوارة وصنهاجة من البرانس ونفوسة وزناتة ومطغرة ونفزاوة من البتر وكان التقدم لعهد الفتح لأوربة هؤلاء بما كانوا أكثر عدداً وأشد بأساً وقوة. وهم من ولد أورب بن برنس وهم بطون كثيرة فمنهم بجاية ونفاسة ونعجة وزهكوجة ومزياتة ورغيوة وديقوسة. وكان أميرهم بين يدي الفتح سكرديد بن زوغي بن بارزت بن برزيات. ولي عليهم مدة ثلات وسبعين سنة وأدرك الفتح الإسلامي ومات سنة إحدى وسبعين وولي عليهم من بعده كسيلة بن لزم الأوربي فكان أميراً على البرانس كلهم. ولما نزل أبو المهاجر تلمسان سنه خمس وخمسين كان كسيلة بن لزم مرتاداً بالمغرب الأقصى في جموعه من أوربة وغيرهم فظفر به أبو المهاجر وعرض عليه الإسلام فأسلم واستنقذه وأحسن إليه وصحبه. وقدم عقبة في الولاية الثانية أيام يزيد سنة اثنتين وستين فاضطغن عليه صحابته لأبي المهاجر وتقدم أبو المهاجر في اصطناعه فلم يقبل وزحف إلى المغرب. وعلى مقدمته زهير بن قيس البلوي فدوخه. ولقيه ملوك البربر ومن انضم إليه من الفرنجة بالزاب وتاهرت فهزمهم واستباحهم وأذعن له يليان أمير غمارة ولاطفه وهاداه ودله على عورات البرابرة وراءه أبو ليلة والسوس وما والاهما من مجالات الملثمين فغنم وسبى وانتهى إلى ساحل البحر وقفل ظافراً. وكان في غزاتة تلك يستهين كسيلة ويستخف به وهو في اعتقاله. وأمره يوماً بسلخ شاة بين يديه فدفعها إلى غلمانه وأراده عقبة على أن يتولاها بنفسه وانتهره فقام إليها كسيلة مغضباً. وجعل كلما دس يده في الشاة يمسح بلحيته والعرب يقولون ما هذا يا بربري فيقول: هذا جيد للشعر فيقول لهم شيخ منهم إن البربري يتوعدكم. وبلغ ذلك أبا المهاجر فنهى عقبة عنه وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب وأنت تعمد إلى رجل جبار في قومه بدار عزة قريب عهد بالشرك فتفسد قلبه وأشار عليه بأن يوثق منه. وخوفه فتكه فتهاون عقبة بقوله. فلما قفل عن غزاته وانتهى إلى طبنة صرف العساكر إلى القيروان أفواجاً ثقة بما دوخ من البلاد وأذل من البربر حئى بقي في قليل من الناس. وسار إلى تهودة أوبادس لينزل بها الحامية. فلما نظر إليه الفرنجة طمعوا فيه وراسلوا كسيلة بن لزم ودلوه على الفرصة فيه فانتهزها وراسل بني عمه ومن تبعهم من البربر واتبعوا عقبة وأصحابه رضي الله عنه حتى إذا غشوه بتهودة ترجل القوم وكسروا أجفان سيوفهم ونزل الصبر واستلحم عقبة وأصحابه رضي الله عنهم ولم يفلت منهم أحد وكانوا زهاء ثلثمائة من كبار الصحابة والتابعين استشهدوا في مصرع واحد وفيهم أبو المهاجر كان أصحبه في اعتقاله فأبلى رضي الله عنه في ذلك اليوم البلاء الحسن وأجداث الصحابة رضي الله عنهم أولئك الشهداء عقبة وأصحابه بمكانهم ذلك من أرض الزاب لهذا العهد. وقد جعل على قبر أسنمة ثم جصص واتخذ عليه مسجد عرف باسمه وهو في عدد المزارات ومظان البركة بل هو أشرف مزور من الأجداث في بقاع الأرض لما توفر فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه. وأسر من الصحابة يومئذ محمد بن أويس الأنصاري ويزيد بن خلف القيسي ونفر معهم ففداهم ابن مصاد صاحب قفصة. وكان زهير بن قيس البلوي بالقيروان وبلغه الخبر فخرج هارباً وارتحل بالمسلمين ونزل برقة وأقام بها ينتظر المدد من الخلفاء. واجتمع إلى كسيلة جميع أهل المغرب من البربر والفرنجة وزحف إلى القيروان فخرج العرب منها ولحقوا بزهير بن قيس وبقي بها أصحاب الذراري والأثقال فأمنهم ودخل القيروان وأقام أميراً على إفريقية ومن بقي بها من العرب خمس سنين. وقارن ذلك مهلك يزيد بن معاوية وفتنة الضحاك بن قيس مع المروانية بمرج راهط وحروب آل الزبير فاضطرب أمر الخلافة بعض الشيء واضطرم المغرب ناراً وفشت الردة في زناتة والبرانس. ثم استقل عبد الملك بن مروان من بعد ذلك بالخلافة وأذهب بالمشرق آثار الفتنة. وكان زهير بن قيس مقيماً ببرقة مند مهلك عقبة فبعث إليه بالمدد وولاه حرب البرابرة والثأر بدم عقبة فزحف إليها في آلاف من العرب سنة سبع وستين. وجمع كسيلة البرانس وسائر البربر ولقيه بجيش من نواحي القيروان واشتد القتال بين الفريقين. ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم واتبعهم العرب إلى مرماجنة ثم إلى ملوية وذل البربر ولجأوا إلى القلاع والحصون وخضدت شوكة أوربة من بينهم واستقر جمهورهم بديار المغرب الأقصى فلم يكن بعدها لهم ذكر. واستولوا على مدينة وليلى بالمغرب وكانت ما بين موضع فاس ومكناسة بجانب جبل زرهون وأقازا على ذلك والجيوش من القيروان تدوخ المغرب مرة بعد أخرى إلى أن خرج محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي أيام المنصور وقتل بالمدينة سنة خمس وأربعين. ثم خرج بعده ابن عمه حسين بن علي بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط أيام الهادي وقتل بفخ على ثلاثة أميال من مكة سنة تسع وستين ومائة واسلتحم كثير من أهل بيته. وفر إدريس بن عبد الله إلى المغرب ونزل على أوربة سنة اثنتين وسبعين وأميرهم يومئذ أبو ليلى إسحق بن محمد بن عبد الحميد منهم فأجاره وجمع البرابر على دعوته. واجتمعت عليه زواغة ولواتة وسدراتة وغياتة ونفزة ومكناسة وغمارة وكافة برابرة المغرب فبايعوه وائتمروا بأمره. وتم له الملك والسلطان بالمغرب وكانت له الدولة التي ورثها أعقابه إلى حين انقراضها كما ذكرنا في دولة الفاطميين والله تعالى أعلم. كتامة
وما كان لهم من العز والظهور عل القبائل وكيف تناولوا الملك من أيدي الأغالبة بدعوة الشيعة هذا القبيل من قبائل البربر بالمغرب وأشدهم بأساً وقوة وأطولهم باعاً في الملك عند نسابة البربر من ولد كتام بن برنس ويقال كتم ونسابة العرب يقولون إنهم من حمير ذكر ذلك ابن الكلبي والطبري. وأول ملوكهم أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة وهو الذي افتتح إفريقية وبه سميت وقتل ملكها جرجير وسمي البربر بهذا الاسم كما ذكرناه. ويقال أقام في البربر من حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى اليوم فيهم وتشعبوا في المغرب وانبثوا في نواحيه إلا أن جمهورهم كانوا لأول الملة بعد تهييج الردة وطيخة تلك الفتن موطنين بأرياف قسطنطينية إلى تخوم غرباً إلى جبل أوراس من ناحية القبلة. وكانت بتلك المواطن بلاد مذكورة أكثرها لهم وبين ديارهم ومجالات تقلبهم مثل أبكجان وسطيف وباغاية ونقاوس ويلزمة وميلة وقسطنطينة والسيكرة والقل وجيجل من حدود جبل أوراس إلى سيف البحر ما بين بجاية وبونة. وكانت بطونهم كثيرة يجمعها كلها غرسن ويسودة ابنا كتم بن برنس فمن يسوده فلاسة ودنهاجة ومتوسة ووريسن كلهم بنو بسودة بن كتم. وإلى دنهاجة ينسب كتامة بالمغرب لهذا العهد. ومن غرسن مصالة وقلان وما وطن ومعاذ بنو غرسن ولهيصة وجيملة ومسالته بنو يناوة بن غرسن وإجانة وغسمان وأوفاس بنو ينطاسن بن غرسن وملوسة من أيان بن غرسن. ومن ملوسه هؤلاء بنو زلدوي أهل الجبل المطل على قسطنيطينة لهذا العهد. وبعد البرابرة من كتامة بنو يستيتن وهشتيوة ومصالة وبني وعد ابن حزم منهم زواوة بجميع بطونهم وهو الحق على ما تقدم. وكان من هذه البطون بالمغرب الأقصى كثير منتدبون عن مواطنهم وهم بها إلى اليوم ولم يزالوا بهذه المواطن وعلى هذه الحالة من لدن ظهور الملة وملك المغرب إلى دولة الأغالبة. ولم تكن الدولة تسومهم بهضيمة ولا ينالهم تعسف لاعتزازهم بكثرة جموعهم كما ذكره ابن الرقيق في تاريخه إلى أن كان من قيامهم في دعوة الشيعة ما ذكرناه في دولتهم عند ذكر دولة الفاطميين إثر دولة بني العباس فأنظره هنالك وتصفحه تجد تفصيله. ولما صار لهم الملك بالمغرب زحفوا إلى المشرق فملكوا الإسكندرية ومصر والشام واختطوا القاهرة أعظم الأمصار بمصر وارتحل المعز رابع خلفائهم وارتحل معه كتامة على قبائلهم واستفحلت الدولة هنالك وهلكوا في ترفها وبذخها. وبقي في مواطنهم الأولى بجبل أوراس وجوانبه من البسائط بقايا من قبائل أسمائها وألقابها والآخرون بغير لقبهم وكلهم رعايا معبدون للمغارم إلا من اعتصم بفتنة الجبل مثل بني زلدوي بجبالهم وأهل جبال جيجل وزواوة وزواوة أيضاً في جبالهم. وأما البسائط فأشهر من فيها منهم قبائل سدويكش ورئاستهم في أولاد سواق. ولاأدري إلى من يرجعون من قبائل كتامة المسمين في هذا الكتاب. إلا أنهم منهم باتفاق من أهل الأخبار. ونحن الآن ذاكرون ما عرفناه من أخبارهم المتأخرة بعد دولة كتامة والله تعالى ولي العون. سدويكش الخبر عن سدويكش ومن إليهم من بقايا كتامة في مواطنهم هذا الحي لهذا العهد وما قبله من العصور يعرفون بسدويكش وديارهم في مواطن كتامة ما بين قسطنطينة وبجاية في البسائط منها ولهم بطون كثيرة مثل سيلين وطرسون وطرغيان وموليت وبني فتنة وبني لمائي وكايارة وبني زغلان والبؤرة وبني مروان وواركسن وسكرال وبني عياد وفيهم من لماية ومكلاتة وريغة والرياسة على جميعهم في بطن منهم يعرفون أولاد سواق لهم جمع وقوة وعدد وعدة. وكان جميع هذه البطون وعيالهم غارمة فيمتطون الخيل ويسكنون الخيام ويظعنون على الإبل والبقر ولهم مع الدول في ذلك الوطن استقامة. وهذا شأن القبائل الأعراب من العرب. لهذا العهد. وهم ينتفون من نسب كتامة ويفرون منه لما وقع منذ أربعمائة سنة من النكير على كتامة بانتحال الرافضة وعداوة الدولة بعدهم فيتفادون بالانتساب إليهم. وربما انتسبوا في سليم من قبائل مضر وليس ذلك بصحيح. وإنما هم من بطون كتامة وقد ذكرهم مؤرخو صنهاجة بهذا النسب ويشهد لذلك الموطن الذي استوطنوه من إفريقية. ويذكر نسابتهم ومؤرخوهم أن موطن أولاد سواق منهم كان في قلاع بني بو خصرة من نواحي قسطنطينة ومنه انتقلوا وانتشروا في سائر تلك الجهات. وأولاد سواق بطنان وهم: أولاد علاوة بن سواق وأولاد يوسف بن حمو بن سواق. فأما أولاد علاوة فكانت الرئاسة على قبائل سدويكش لهم فيما سمعناه من مشيختنا وأن ذلك كان لعهد دولة الموحدين وكان منهم علي بن علاوة وبعده ابنه طلحة بن علي وبعده أخوه يحيى بن علي وبعده أخوهما منديل بن وعزل تاريز ابن أخيه طلحة. ولما بويع السطان أبو يحيى بقسطنطينة سنة عشر من هذه المائة وقع من تاريز انحراف عن طاعته واعتلق بطاعة ابن الخلوف ببجاية فقدم عوضاً منه عمه منديل. ثم استبدل منهم أجمعين بأولاد يوسف فشمروا في طاعته وأبلوا وغلب السلطان على بجاية وقتل ابن الخلوف ظهر أولاد يوسف وزحموا أولاد علاوة وأخرجوهم من الوطن فصاروا إلى عياض من أفاريق هلال وسكنوا في جوارهم بجبلهم الذي أوطنوه المطل على المسيلة. واتصلت الرئاسة على سدويكش في أولاد يوسف. وهم لهذا العهد أربع قبائل: بنو محمد بن يوسف وبنو المهدي وبنو إبراهيم بن يوسف والعزيزيون وهم بنو منديل وظافر وجري وسيد الملوك والعباس وعيسى والستة أولاد يوسف وهم أشقاء وأمهم تاعزيزت فنسبوا إليها. وأولاد محمد والعزيزيون يوطنون بنواحي بجاية وأولاد المهدي وإبراهيم بنواحي قسطنطينة. وما زالت الرئاسة في هذه القبائل الأربع تجتمع تارة في بعضهم وتفترق أخرى إلى هذا العهد. وكانت الأخرى دولة مولانا السلطان أبي يحيى اجتمعت رئاستهم لعبد الكريم بن منديل بن عيسى بن العزيزيين. ثم افترقت واستقل كل بطن من هؤلاء الأربعة برئاسة وأولاد علاوة في خلال هذا كله بجبل عياض. ولما تغلب بنو مرين على إفريقية أنكر السلطان أبو عنان أولاد يوسف ورماهم بالميل إلى الموحدين وصرف الرئاسة على سدويكش إلى مهنا بن تاريز بن طلحة من أولاد علاوة فلم يتم له ذلك وقتله أولاد يوسف. ورجع أولاد علاوة إلى مكانهم من جبل عياض. وكان رئيسهم لهذه العصور عدوان بن عبد العزيز بن زروق بن علي بن علاوة وهلك ولم تجتمع رئاستهم بعده لأحد. وفي بطون سدويكش هؤلاء بطن مرادف أولاد سواق في الرئاسة على أحيائهم وهم بنو سكين. ومواطنهم في جوار لواتة بجبل تابور وما إليه من نواحي بجاية ورياستهم في بني موسى بن ثابر منهم. أدركنا ابنه صخر بن موسى واختصه السلطان أبو يحيى بالرئاسة على قومه وكان له مقامات في خدمته. ثم عرف. بعده في الوفاء ابنه الأمير أبو حفص فلم يزل معه إلى أن وقع به بنو مرين بناحية قابس وجيء به مع أسرى الوقيعة فقطعه السلطان أبو الحسن من خلاف وهلك بعد ذلك وقام برئاسته ابنه عبد الله وكان له فيها وفي خدمة السلطان ببجاية شأن إلى أن هلك لأعوام ثمانين وولي ابنه محمد من بعده والله وارث الأرض ومن عليها.
|